السر المستودع في فاطمة الزهراء (ع)

أكد القرآن الكريم في كثير من آياته المباركة على اطلاع الباري عزّ وجل على خائنة العين وما تخفي الصدور ، ويعني هذا أن الله يعلم السر وما أخفى ، وهو ما أضمره الإنسان وأسرّه ثمّ نسيه ( والله يعلم ما تسرون وما تعلنون )، وايضاً جاء قوله تعالى ( وأسروا قولكم أو اجهروا به ، أنه عليم بذات الصدور ) . ليؤكد هذه الحقيقة ، حقيقة السر الذي يكتمه الإنسان على غيره ولكن لا يخفى على الله تعالى أي سرٌ لأنّ الله تعالى خالق الإنسان في هذا العالم وإلى ذلك أشار القرآن ( قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض ، إنه كان غفوراً رحيما )، فيعلم الله تعال حقيقة أسرار الناس وما يكتمون ، إلاّ أنّه هناك أسرار مودعة من قبل الله تعالى عند كثير من الأولياء وخصوصاً الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين حيث أمرهم بحفظها ولا يظهروها إلا لمن هو أهل لها ، ولنعم ما قيل في الشعر المنسوب إلى مولى الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حيث قال :



لا تَفْشِ سِرَّا ما استطعت إلى امرئ      يُفشِي إليك سَرَ سَرَائر يستودعكما
تـراه بِسِرّ غيـرك صانعـاً                  فكذا بِسِرّكَ لا محالـة يصنـع
وإلى ذلك أشار الفرزدق :
لا يكْتُم السّرَّ إلا من له شَرفُ            والسِّرُّ عند كرام الناس مكتُومُ
السِّرُّ عندي في بيت له غلقٌ             ضلت مفاتيحه والباب مَردُومُ
إذن الأسرار المودعة من قبل الله تعالى عند الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين هي أمانات وكما ورد في المثل الذي يقول « السر أمانة فانظر عند من تضع أمانتك.
وقال الله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )

وأسرار الله تعالى كلها أماناته في أرضه وقلوب أوليائه ولا إجازة لهتكها وكشف قناعها إلا بين يدي صاحبها الذي هو أهلٌ لها وهذا أمرٌ أمر الله تعالى به عباده المخلصين من الأنبياء والأولياء ـ عليهم السلام ـ وبالغ معهم ، وأمرهم ايضاً أن يأمروا بذلك المؤمنين ويبالغوا فيه ، حتى قالوا « إفشاء سر الربوبية كفر وهتك أستار الإلوهية زندقة . وقالوا « لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها ، فتظلموها ، ولا تمنعوها من أهلها فتظلموهم كونوا كالطبيب الشفيق يضع الدواء موضع الداء ».

وقالوا في الشعر المنسوب الفارسي « فمن منع الجهال علماً أضاعه ومن منع المستوجبين فقد ظلم » ، وأقوالهم الشاهدة بذلك وإشاراتهم الدالة عليه أشهر وأظهر من أن تخفى على أحد ، ومع ذلك نحن نذكر بعض ذلك استظهاراً لك ولغيرك لئلا يهمله أحد ويوقع نفسه في الهلاك الأبدي والشقاء السرمدي ، حيث جاء قوله تعالى تعليماً لعباده وتأكيداً لهم في أداء الأمانة التي هي أسراره إلى أهلها ( أنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ، وحملها الإنسان أنه كان ظلوماً جهولاً )


والمراد انه يقول : الذي هم الملائكة والجن والحيوانات والوحوش الطيور وغير ذلك ـ أو على استعداد كل واحد من السماوات والأرض والجبال بنفسها ، لأنها عند الأكثرين شاعرة بذاتها ـ لأجل إيداع أمانتنا التي هي أسرارنا فما وجدنا أهلاً لها ومستعدين لحملها لعدم قابليتهم وضعف استعدادهم لأن حمل الشيء وقبوله موقوف على قابليه ذلك الشيء واستعداده ووجدنا الإنسان أهلاً لها ومستعداً لحملها فأمرناه بحملها وأشرنا إليه بقبولها لأنّه كان « ظلوما جهولاً » أي بسبب أنه كان مستعداً لها ومستحقاً لحملها « بظلوميته وجهوليته ».


فكأنه يقول : أن السبب الأعظم والمُمَد الأعلى في أهليته لهذه الأمانة المعروضة على السماوات والأرض والجبال ومافيها من المخلوقات كان « ظلوميته وجهوليته » لأنه لو لم يكن مستحقا لحملها ومستعداً لقبولها لكان كغيره من الموجودات لعدم هاتين الصفتين فيه ، وعلى هذا التقدير تكون صفتا « الظلومية والجهولية » مدحاً له « يعني للإنسان » لا مذمة كما ذهب إليه أكثر المفسرين ، ولا شك انه كذلك واللام في « لأنه » لام التعليل لا غير ، ليعرف به هذا المعنى والمراد بالإنسان نوعه وبالحمل استعداده للحمل وقابليته له.

وهذا هو المعنى المطابق للأمانة والعرض والحمل والقبول والإباء إجمالا لأغير ، وإلاّ الأمانة ما كانت شيئاً محسوساً معروضاً على كل واحد من الموجودات حساً وشهادة ولا كان آباؤهم عنها قولاً وفعلاً ، كما يرسخ في أذهان المحجوبين عنها . إذن بما أنه تعالى مع عظمة شأنه وجلالة قدره لم يضع ويدع الأمانة إلا عند أهلها ، ولم يأذن بها إلا إلى صاحبها فلا ينبغي أن يفعل غيره بخلاف ذلك وإلا يكون مخالفاً لأمره سالكاً غيره طريقه وايضاً لو لم تكن رعاية الأمانة عنده عظيمة ما مدح بنفسه للراغبين أمانته ، وما سلكهم في سلك المصلين الصلاة الحقيقية ، وما جعلهم من الوارثين ( قد افلح المؤمنون الذي هم في صلاتهم خاشعون ، والذين هم عن اللغو معرضون ، والذين هم للزكاة فاعلون ) إلى قوله تعالى ( أولئك هم الوارثون الذي هم يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) فحيث مدحهم على ذلك وسلكهم في سلك هؤلاء المعظمين بل قدمهم عليهم وجعلهم من الوارثين « الذين يرثون الفردوس » فعرفنا ان رعايتها « يعني رعاية الأمانة » معتبرة وقدرها جليل وشأنها عظيم وبالجملة الخيانة في هذه الأمانة هي إيداعها عند غير أهلها ، وإمساكها عن أهلها ، وكلاهما غير جائز وإليه أشار جل ذكره في قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وانتم تعلمون ) أي « لا تخونوا الله والرسول » بإيداع أسرارهم عند غير أهلها « وأنتم تعلمون » عاقبة الخائن وصعوبة عذابه وشدة عقوبته : ( ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) أي ذلك القول « وصاكم به لعلكم تتقون » عنها أي تحترزون عن الخيانة بعد ذلك وتعظمون مكانتها .
والأطروحات التي تحمل على محمل الحقيقية في المصداق .
الأطروحة الأولى
أن السر المستودع فيها هم أهل البيت عليهم السلام وكما هو معروف أن الائمة عليهم السلام كلهم من الزهراء عليها السلام فهي امهم وهم يفتخرون بهذا الشئ بل ان الزهراء هي افضل من كثير من الائمة عليهم السلام فهي افضل من الحسن والحسين وباقي الائمة عليهم السلام ....
حتى عدها الرسول كما هو وارد روحه وبضعته ونفسه وغيرها سلام الله عليهم اجمعين.
الأطروحة الثانية
أن السر المستودع في الزهراء هو المحسن عليه السلام فهو جنينها الذي اسقط ظلما على يد شياطين الانس ونحن لا نعلم اجمالا عن هذا الطفل الصغير أي شئ سوى انه اسقط ولم يعش أي يوم فيكون سرا لا يكشف الا لمن نظر بالعينين لا بالعين اليمنى فقط ولا بالعين اليسرى فقط
الأطروحة الثالثة
ان يكون السر المستودع فيها هو الامام المهدي عليه السلام حيث يكون هو السر الذي اخفى الله حقيقته عن الخلق وجعله ختام المسك للكمال البشري واليه اشارت الكثير من الروايات من ان المهدي هو من ولد الزهراء عليها السلام تاكيدا وتذكيرا بهذا الامر كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم (المهدي من عترتي من ولد فاطمة(
الأطروحة الرابعة
ان يكون السر المستودع فيها هو الولاية وهو ولاية الائمة عليهم السلام وهذه بالحقيقة ليست كما هو معروف من ان الولاية هو خلافة الرسول وكفى بل ما يتعداها الى حقيقة هذه الولاية في عالم الامر حيث ان الولاية من اكثر الامور المعنوية غموضا وان ما نعرفه عنها لا يتعدى القشور .
الأطروحة الخامسة
ان يكون السر المستودع فيها علة الايجاد وهي ما ورد بما مضمون الحديث (اني ما خلقت الكون الا من اجل محمد واني ما خلقتك الا من اجل علي واني ما خلقتكما الا من اجل فاطمة ).
فتكون هذه الحقيقة كالاتي (ظاهرها الرسول وباطنها علي وحقيقتها فاطمة ) سبحان الله حقيقة لو عرفناها لما احتجنا لغيرها ؟.
الأطروحة السادسة
بالحقيقة هذه الاطروحة ليست كالسابقات حيث ان السر المستودع فيها هي نفسها الزهراء عليها الاسلام حيث ان لها حقيقة في عالم المعنى مستقلة عن غيرها من الانوار الالهية كما ورد من انها نورا قرب العرش حسب ما اتذكر .......
فهي لها حقيقة في عالم الباطن حيث الكمال فمثلا لماذا اصبح هذا النور(الزهراء) أمراة وما هو تاثيرها على تكامل النساء ولماذا اختلفت هيئتها التكوينية عن المعصومين عليهم السلام وما هو تاثيرها على الكمال وفائدتها في هذه النقطة تحديداً ........
سبحان الله ما خلقت هذا عبثاً.
الأطروحة السابعة
ان السر المستودع فيها هو سر الفاطر حيث ان الله شق لها من اسمه الفاطر فاسماها فاطمة فالفاطر هو فاطر السماوات والارض والذي يريد السر فعليه معرفة حقيقة سر اسم الله (الفاطر(.
الأطروحة الثامنة
ان سرها في اسمها كما ورد (قال: قلت لِمَ سميت فاطمة، زهراء فقال: لأن الله عز وجل خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرت الملائكة لله ساجدين وقالوا إلهنا وسيدنا ما هذا النور فأوحى الله إليهم هذا نور من نوري أسكنته في سمائي من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي أفضله على جميع الأنبياء واخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري يهدون إلى حقي واجعلهم خلفائي في ارضي بعد انقضاء وحيي).
الى هنا اترك باقي الاطروحات وذلك لأن سؤال بدأ يتكرر وهو ما فائدة الاطروحات في طرح الموضوع او باقي المواضيع اذا احتملنا صحه البعض او خطا البعض الاخر ؟
الحقيقة ان اسلوب الاطروحات هو احد اساليب الائمة عليهم السلام حيث يكون حديثهم على مستويات لتشمل اكثر عقول الخلق لذلك قد يظن البعض ان هناك تناقض بين كلامهم .
لا لم ولن يكون هناك تناقض بل كل كلامهم صحيح ولكن كل انسان ياخذ الشئ المناسب له ولقابلياته .


جعلنا الله من الحاملين أمانته والراعين عهده ، الموفين به الوارثين جنته ، بمحمد وآله أجمعين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المواضيع

Blog Archive

مركز الحجة القائم للدراسات الاسلامية والاستتراتيجية 2016

يتم التشغيل بواسطة Blogger.